عدت اليوم للمكان ذاته, الذي كتبت فيه ” رسل الأمل “. ليُعيدني شخص مختلف إلى مشاعري المتراكمة المدفونة التي بدى عليها آثر مرور الزمن, لم تتحرك أبداً, بل فَقدت الكثير من جمالها و احساسها, تبلدت حقيقةً. ايقظها ذاك الشباب الجالس أمامي.. يثني قدمه اليمنى على اليسرى, متكأً, يلبس ثوبه, خجولاً, قليل الحركة.. استطيع أن اسميه انساناً ,, يملك مؤهلات الإنسانية, مختلف عنّا,, أغلبُنا يبدو كالات الروبوت, نعمل و نتكلم و نغيّر طريقة حديثنا و أفعالنا مثل الروبوت تماماً ,, بلا احساس.
كالعادة اصعد للدور الثاني محمّلاً بكُتبي ( كتب دراسية هذه المرة ) و يصعد نادل المقهى لأطلب قهوتي التركية .. لتصل بعد عشر دقائق و يعود ليحملها وقتما اُنهِيها .. يعود بعد ذلك مرة آخرى فيرى منديلاً متسخاً على الطاولة و أكياس سكر فارغة فيحملها,, كرسي حرّكتُه فيرجِعَه مكانه,, طفائة السجائر زاحمت أواراقي فأبعدها عني,, احتجت مناديلاً فأتى بها..لن أكون مبالغاً لو قلت أنه تقدم لخدمتي من خمس إلى سبع مرات, و أنا جاثٍ على كرسيي منشغلاً, لا أفعل غير أن أُردد في كل مرة ” شكراً ” ” يعطيك العافية ” ” الله يكرمك ” و أظن أني قد أديت ما عليّ بأكمل وجه ..
بعد هذا السؤال تضاربت كل المفاهيم, و استيقظ احساس كاهلٌ قام مُثقلاً بأكوام القذارة يُجاهدُ ليقف أمامي مهيباً,, يرسم لي بنظراته شخصي قبل أعوام,, شخصي الذي اعتاد على خدمة ذاته و عدم تكليف أي شخص آخر بأعماله,, يرى من واجبه مساعدة الكل بلا استثناء, بلا تمييز, بلا تفرقة لونية أو عرقيّة,, شخصي الكاره للشيء الذي يُقدّم له بغير أيّ فِعل منه,, أو حتى إظهار اهتمامه و الوقوف لمن يُقدّم له شيئاً,, مهما ما كان ذلك الشيء ..
وقفت دمعة حائرة في مقلتاي,, مطبقاً شفتاي ,, اضظربت أنفاسي,, أسرع خافقي,, أشعَلَ احساسي ذلك الإنسان,, سارح البال.. عتاب,, ذكرى,, ألم,, فخر بالماضي,, و استحقارٌ للحال.. لم يوقظني إلا صوت الأذان,, تدفق داخلي بارداً,, ليُطفئ ما أضرم من نيران.
قصة رائعة جدا
وصياغتها أكثر من رائعة
والأروع احساسك بالشيء الإيجابي الذي يصدر من غيرك
والأهم من ذلك إستفادتك من الموقف ..
تحياتي لك ولقلمك الرائع
عبدالله المحطب ,,
إعجابإعجاب