خمسة أعوام وسبعة أشهر ويومين

ملحمة من الأحداث تخللتها، اشتعلت فيها ثورات غضبي ونشوات سعادتي، حزني وفرحي، دهشتي وفتوري، حالات من هستيريا الضحك وحالات آخرى من الصمت المزعج.. الغرق في العمل مرات ومحاولات آخرى بائسة للتركيز..

تكوّنت فيها وتشكلت ذاتي ألف ألف مرة وكانت مبادئي هي هي إلا أني كنت أضيف في كل تجربة أعيشها  صفة لم تكن فيَّ أو أعيد نحت صفة أو سلوك لدي.. حتى تشكلت ذاتي الآخيرة..

العمل في التدقيق الخارجي مصنعٌ ضخم يخلق فيك الصبر ويريك كل أشكال الناس في فترة وجيزة جداً.. تختبر فيها ذاتك ومبادئك وصفاتك معهم.. ـ حاول أن تقف مرة وترى فيها ذاتك بوضوح وسط ضجيج عجلة المهام التي لا تنتهي ـ ..

لا تفوت هذه الفرصة في هذا المصنع، لأن تُحافظ فيها على أخلاقك، أن تنفع الناس لا أن تضرهم، أن تحسن إليهم ليحسن الله إليك.. أن لا تفقد مصداقيتك وعدالتك في خضم الضغوط.. هي فرصتك لأن تكون إنسان بحق.. أن تحمي حقوقك وحقوق غيرك في هذا المصنع الضخم الذي تُفقد فيه الأصوات في ضجيج الآلات.. أن لا تتلذذ بمعاناة الآخرين لتحوّل ضغوطك لأمراض نفسية استحدثتها لتكون جزء من شخصيتك..

هي فرصتك أن تتعلم من العملاء أن حجم الأموال لا تعني جودة الشركة وأن تلك الشركة ذات العلامة التجارية المميزة لا تعني أنها بيئة عمل مثالية لموظفيها.. وأن أسماء الشركات لا تصنع من الموظفين أكفّاء بل الموظفين أنفسهم هم من يصنعوا أنفسهم في أي بيئة عمل كانت..

هي فرصتك لأن تتعلم أن الانضباط أول طريق المعرفة، أن المعلومة تُكتسب لا تُمنح، أن التوضع والاستماع للمعلومة سواء من مديرك أو من يتدرب تحت إدارتك هي أساس المعرفة.. أن كثرة التعذّر بضغوط الحياة لن يغفر لك جهلك أبداً..

هي فرصتك الآن قبل أن ترحل، أن تعي أن الحياة رحلة قصيرة جداً، استمتع بها بكل مافيها، فرصتك الآن إن تعثّر حظك أن تضحك أمامه ساخراًَ منه .. فلكم ضحِكت شفتاي وكان قلبي ينتحب….

مجيد
٢٣ أبريل ٢٠٢٠م،